أخي الذي عاد من الظلام



أخي الذي عاد من الظلام



لم أكن أتخيل أن أكثر كوابيسي رعبًا سيتحقق أمام عيني.

اختفى أخي الأكبر "سامر" منذ عشر سنوات في ليلة عاصفة. كنا نجلس معًا نشاهد التلفاز عندما قرر الخروج لشراء بعض الأغراض من المتجر القريب. كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، والشارع هادئ إلا من صوت الرياح التي تصفع النوافذ.

"لا تتأخر،" قالت أمي وهي تراقبه يلبس معطفه.

"خمس دقائق فقط،" قال وهو يبتسم لي، ثم أغلق الباب خلفه.

لكنه لم يعد أبدًا.

بحثت الشرطة في كل مكان. فتشوا الأزقة، الغابة القريبة، واستجوبوا كل من كان في المتجر تلك الليلة. لكن لم يكن هناك أي أثر له، وكأنه تبخر من على وجه الأرض.

كانت تلك الحادثة بداية سقوط عائلتنا في دوامة من الألم والجنون. أمي لم تتوقف عن انتظار طرق بابه، كانت تجلس لساعات أمام نافذتنا المطلة على الشارع، عيناها غارقتان في الفراغ، تهمس باسمه وكأنه سيعود لو نادته بما يكفي. أبي أصبح صامتًا، يتهرب من الحديث عن الأمر، وكأنه لو أنكره فسيختفي. أما أنا، فقد عشت كل تلك السنوات ممزقًا بين الأمل واليأس، بين تصديق موته وانتظار عودته.

لكن لم يكن أي منا مستعدًا لما حدث تلك الليلة.

العودة المستحيلة

كان ذلك في شهر ديسمبر، في ليلة باردة بشكل غير طبيعي. جلست في غرفتي، أحاول التركيز على كتاب بين يدي، لكن شيئًا ما كان يشوش تفكيري، إحساس غامض بالقلق، كأن الهواء نفسه كان ثقيلًا بطريقة غير مألوفة.

ثم… سمعنا الطَرق.

ضربات بطيئة على باب منزلنا، متباعدة، كأن الطارق غير متأكد مما يفعله. تجمدت في مكاني، ثم سمعت صوت أمي من الصالة، صوتها ضعيف ومهتز.

"من… من هناك؟"

لم يأتِ رد. فقط طرقات أخرى.

نهضت وسرت ببطء نحو الباب، حيث وقفت أمي مترددة، يدها ترتجف فوق المقبض. كنت على وشك أن أطلب منها ألا تفتح، لكنني لمحت أبي قادمًا من غرفته، وجهه شاحب أكثر من المعتاد.

ثم… فتحت أمي الباب.

كان سامر يقف هناك.

توقفت أنفاسي. هذا مستحيل. مستحيل تمامًا.

لكنه كان أمامنا، يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها يوم اختفائه، وجهه لم يتغير، كأن السنوات لم تلمسه أبدًا. كان شاحبًا قليلًا، عيناه غارقتان في الظل، لكن ابتسامته… ابتسامته كانت كما أذكرها تمامًا.

"لقد تهت…" قال بصوت خافت، "وأخيرًا وجدت طريقي للعودة."

انهارت أمي في البكاء وارتمت بين ذراعيه، أما أبي، فوقف متجمدًا في مكانه، ينظر إليه وكأنه يحاول استيعاب ما يراه. أما أنا… شعرت بشيء غريب، إحساس مبهم بعدم الارتياح.

لأن هناك أمرًا لم يكن طبيعيًا.

سامر لم يتغير، لم يكن يبدو كمن عاش عشر سنوات في مكان آخر، لم يكن حتى يبدو أكبر بعام واحد… بل وكأنه خرج من تلك الليلة ودخل هذه اللحظة مباشرة.

لكنه كان مختلفًا، بطريقة لا يمكنني تفسيرها.

الليل الأول

في البداية، حاولنا استعادة حياتنا الطبيعية. أمي كانت في قمة سعادتها، وكأن حياتها عادت إليها بعد سنوات من الحزن، أما أبي، فظل صامتًا ومترقبًا. لكنني كنت أراقب سامر.

في الليل، سمعت صوتًا غريبًا قادمًا من غرفته. همسات… كأنه يتحدث مع أحد ما. اقتربت من الباب بهدوء، وضغطت أذني عليه.

لم يكن يتحدث… بل كان يكرر نفس الجملة بهدوء، بصوت أجوف كأنه يخرج من مكان بعيد داخله:

"لم يكن يجب أن أعود… لم يكن يجب أن أعود… لم يكن يجب أن أعود…"

ابتعدت عن الباب بسرعة، وشعرت بقشعريرة تتسلق عمودي الفقري.

في اليوم التالي، لاحظت أن انعكاسه في المرآة بدا غريبًا… متأخرًا قليلًا، كأنه يحتاج لوقت حتى يلحق بحركاته. لم أكن متأكدًا مما رأيته، لكنني لم أجرؤ على التحديق فيه أكثر.

وفي إحدى الليالي، استيقظت على صوت ضحكة مكتومة. نهضت من سريري وسرت بحذر نحو غرفته. كان الباب مفتوحًا قليلاً، فدفعتُه ببطء.

وجدت سامر واقفًا هناك، في الظلام، أمام المرآة، عاريًا تمامًا، ووجهه لا يتحرك. لكنه كان يضحك… ضحكة جافة، منخفضة، بلا تعبير.

ثم فجأة، التفت إلي.

لكن انعكاسه في المرآة لم يتحرك.

تجمدت مكاني، وعيناه السوداوان تحدقان بي. للحظة، لم أستطع أن أتنفس، قبل أن أتمكن أخيرًا من التحرك والهروب عائدًا إلى غرفتي، مغلقًا الباب خلفي بقوة.

في الصباح، لم يتحدث سامر عن أي شيء مما حدث. بل تصرف كأن شيئًا لم يكن.

لكنني كنت أعرف الحقيقة.

هذا لم يكن أخي.

اكتشاف الحقيقة

قررت البحث عن أي دليل يمكن أن يساعدني. فتشت أغراضه عندما كان خارج المنزل، وعثرت على شيء غريب تحت وسادته: ورقة صغيرة، عليها كلمات مكتوبة بخط مرتجف:

"إنه ليس أنا… لا تثقوا بي… لا تدعوني أبقى."

توقفت أنفاسي. كان هذا خط يد سامر. لكن إن لم يكن هو، فمن هذا الذي يعيش معنا الآن؟

تذكرت كلماته الأولى عندما عاد: "لقد تهت… وأخيرًا وجدت طريقي للعودة."

لكن ماذا لو لم يكن هو من عاد… بل شيء آخر؟

المواجهة الأخيرة

تلك الليلة، قررت مواجهته.

وجدته واقفًا في المطبخ، وجهه مخفي في الظلام، وعندما اقتربت، سألته مباشرة:

"أين كنت طوال هذه السنوات؟"

رفع رأسه ببطء ونظر إليّ. لم يبتسم.

"كنت هنا."

"أنت تكذب."

ظل يحدق بي، قبل أن يقول بهدوء:

"إن كنت تعتقد ذلك… فلماذا سمحت لي بالدخول؟"

شعرت بقشعريرة باردة تسري في جسدي. أدركت أن هذا الشيء الذي يقف أمامي ليس أخي، ولم يكن أبدًا.

لكن ماذا فعلت بأخي الحقيقي؟

قبل أن أتمكن من الرد، أطفأت الأضواء فجأة، وامتلأ المنزل بصوت همسات مخيفة، كأن عشرات الأصوات كانت تتحدث في نفس الوقت. شعرت بأن الظلام نفسه كان يبتلعني، قبل أن أسمع صوت أمي تصرخ في غرفتها.

ركضت إليها، لكنني لم أجدها. لم أجد أي أثر لها، وكأنها تبخرت كما تبخر سامر منذ سنوات.

عندما عدت إلى المطبخ… كان سامر قد اختفى أيضًا.

لكن صوته بقي.

"ألم تكن تنتظر عودتي؟"


منذ تلك الليلة، لم أره مرة أخرى. لكنني أشعر به… في كل زاوية مظلمة، في كل مرآة، في كل ليلة بلا قمر.

أخي لم يعد أبدًا… لكن الشيء الذي أخذ مكانه ما زال هنا.

تعليقات