صداقة لا تنكسر


صداقة لا تنكسر



الفصل الأول: البداية

في قرية هادئة بين الجبال، حيث كانت الحقول تمتد بلا نهاية، عاش صديقان لا يفترقان منذ نعومة أظافرهما، سامي وعلي. كانا يكبران معًا كالأخوين، يلعبان في الحقول، يتسابقان بين الأشجار، ويقضيان أوقاتهما على ضفاف النهر القريب من قريتهما الصغيرة.

كان سامي فتى هادئًا، يحب التأمل في الطبيعة، ويهوى إصلاح الأشياء بيديه، بينما كان علي مليئًا بالحيوية، يحلم بالسفر واكتشاف العالم. رغم اختلاف طباعهما، إلا أن صداقتهما كانت قوية كالجبل، لم يهزّها شيء.

كبر الصديقان، وبدأ كل منهما يخطط لمستقبله. سامي كان يريد أن يصبح مهندسًا ليبني بيوتًا لأهل قريته، بينما كان علي يحلم بالسفر إلى المدينة الكبيرة، حيث الفرص والطموحات الكبيرة.

الفصل الثاني: الفراق الأول

لم تكن الحياة سهلة، فقد جاءت الأيام بما لم يتوقعاه. تعرضت قريتهما لأزمة اقتصادية حادة، وأصبحت العائلات تكافح لتأمين قوت يومها. اضطر والد علي إلى السفر للعمل في المدينة، ولم يكن أمام علي سوى مرافقته.

كانت لحظة الفراق صعبة. وقفا على الجسر الخشبي الذي طالما كان مكان لقاءاتهما المفضلة، ونظر كل منهما إلى الآخر بحزن. قال سامي:
"مهما حدث، لن تنقطع صداقتنا، سنظل إخوة إلى الأبد."

أجابه علي بابتسامة حزينة:
"سأعود يومًا ما، وحينها سنعيد كل لحظاتنا الجميلة."

رحل علي مع والده، وبقي سامي في القرية، لكنه لم ينسَ صديقه أبدًا.

الفصل الثالث: طريقان مختلفان

مرت السنوات، وأصبح سامي مهندسًا كما كان يحلم. عمل بجدٍّ في قريته، وساعد أهلها في بناء البيوت والجسور، وأصبح شخصًا يحترمه الجميع.

أما علي، فقد وجد نفسه في عالم مختلف تمامًا في المدينة الكبيرة. كانت الحياة هناك صعبة، لكن شغفه بالسفر والعمل دفعه لخوض عدة تجارب. بدأ يعمل في التجارة، وكان طموحه أن يصبح رجل أعمال ناجحًا.

كانا يتبادلان الرسائل بين الحين والآخر، يطمئن كل منهما على الآخر، لكن مع مرور الوقت، بدأت الحياة تبعدهما عن بعضهما شيئًا فشيئًا.

الفصل الرابع: السقوط

في أحد الأيام، قرر علي أن يستثمر كل ما جمعه في مشروع تجاري كبير. كان متحمسًا للغاية، معتقدًا أن النجاح بات قريبًا. لكنه لم يدرك أن شريكه كان محتالًا، فخسر كل أمواله في لحظة واحدة.

وجد نفسه وحيدًا بلا مال، بلا منزل، وبلا مستقبل واضح. شعر بالخجل من العودة إلى قريته، فقد كان يعتقد أنه سيعود يومًا ما كرجل ناجح، وليس كشخص محطم.

الفصل الخامس: العودة إلى الجسر

لم يكن أمام علي خيار سوى العودة إلى قريته. وصل في الليل، متعبًا ومنهكًا، وجلس بجوار الجسر الخشبي الذي كان شاهدًا على ذكرياتهما الجميلة. شعر وكأن المكان يواسيه بصمته الهادئ.

في صباح اليوم التالي، علم سامي بعودة علي. لم يتردد لحظة، بل ترك كل أعماله وبدأ في البحث عنه في أنحاء القرية، حتى وجده جالسًا عند الجسر، مطأطئ الرأس، غارقًا في أفكاره.

اقترب سامي ووضع يده على كتفه، قائلًا بابتسامة صادقة:
"ظننت أنك ستعود وأنت رجل أعمال كبير، لكن لا يهمني ذلك، ما يهمني هو أنك عدت."

نظر إليه علي بعينين دامعتين، وقال بصوت مرتجف:

"لقد خذلتك يا سامي... لم أحقق شيئًا مما حلمنا به."

ضحك سامي وربّت على كتفه:
"وهل تعتقد أن الصداقة تُقاس بالنجاح؟ نحن إخوة، ولا يهمني كم خسرت أو ماذا حدث لك، المهم أنك هنا الآن."

الفصل السادس: الصداقة الحقيقية

لم يترك سامي صديقه لحظة واحدة. أخذه إلى منزله، وساعده في الوقوف مجددًا. أعطاه فرصة للعمل معه، وشجعه على البدء من جديد. شيئًا فشيئًا، عاد الأمل إلى قلب علي، وبدأ ينهض من جديد.

مرت الأيام، وعاد الصديقان كما كانا، بل أقوى. تعلم علي درسًا مهمًا، وهو أن الصداقة الحقيقية لا تهتز بالمصاعب، بل تزداد قوة في الأوقات الصعبة.

في يوم من الأيام، وقفا معًا على الجسر نفسه، ونظر كل منهما إلى الآخر مبتسمًا. قال سامي:
"ألم أقل لك إنك ستعود؟"

ضحك علي وقال:
"وأنت أثبت لي أن الصديق الحقيقي هو الذي يبقى بجانبك حتى عندما تخسر كل شيء."

وهكذا، أثبتت الأيام أن الصداقة الحقيقية لا تبنى على المصالح، بل على الوفاء، الحب، والتضحية.

تعليقات